شهدت الأسابيع القليلة الماضية جدلا واسعا علي جميع المستويات حول عبارة المبيدات المسرطنة وهل هي حقيقة أم شائعة, وإذا كانت حقيقة فهل عادت مرة أخري إلي مصر وتستخدم الآن في الزراعة؟ وإذا كانت تستخدم, فكيف تصل إلينا كمستهلكين للغذاء الزراعي؟ ثم كيف يمكن التخلص من بقاياها في غذائنا, وإذا أمكن التخلص من بقايا بعضها فهل هناك بقايا لا يمكن التخلص منها؟ وأخيرا هل يمكن لأي فرد أن يقيم موقفه الحالي من بقايا المبيدات بجسمه في أي لحظة؟
طرحنا هذه التساؤلات علي الدكتور سميح عبدالقادر أستاذ علم السموم بالمركز القومي للبحوث وعضو اللجنة القومية للسميات, والذي أكد وجود ما يسمي بالمبيدات المسرطنة كحقيقة علمية, فهناك اتفاق بين العلماء علي تصنيف المبيدات طبقا لدرجة تسببها في حدوث السرطان, وتضم القائمة الأولي12 مادة كيميائية مؤكدة التأثير ما بين مبيدات ومعادن ثقيلة. وتضم القائمة الثانية68 مادة محتملة التأثير لتوافر أدلة قاطعة علي تسببها في إحداث السرطان في حيوانات التجارب, دون دليل قاطع علي نفس النتيجة في الإنسان, وتضم القائمة الثالثة المبيدات التي يمكنها أن تحدث السرطان للإنسان إذا ما تعرض لها بجرعات عالية, ومن أمثلة مبيدات القائمتين الثانية والثالثة دايمثويت, دايكوفول, كابتان, فولبيت وكلوروثالونيل, أما القائمة الرابعة فتضم المبيدات التي لم يتوافر عنها أي دليل قطعي عن علاقتها بإصابة الإنسان بالسرطان حتي الآن.
وكان وزير الزراعة السابق قد اتخذ قرارا بمنع دخول مبيدات القائمتين الثانية والثالثة, لكن أعيد النظر في القرار في الوزارة الجديدة, حيث تم التصريح باستخدام معظمها مرة أخري بحجة استخدامها في بعض الدول المتقدمة, دون التأكد من مدي الالتزام بشروط استخدام المبيد في مصر بنفس شروط استخدامه في تلك الدول.
وأضاف الدكتور سميح: تنقسم المبيدات بصفة عامة من حيث تأثيرها علي النبات إلي جهازية يتم امتصاصها داخل النبات وتسري في عصارته ويتراكم90% منها داخل الثمار, مما يجعل من المستحيل إزالتها أو التخلص من بقاياها بالغسيل, ومبيدات غير جهازية غالبا ما تستخدم بطريق الرش ولذلك يتراكم90% منها في طبقة القشرة, لذلك تتطلب الثمار فيها الغسيل الجيد والتقشير, ويتوقف تركيز المبيد في الثمار علي عاملين هما مدي التزام المزارع بكمية المبيد المستخدم ثم فترة الأمان التي تتضاءل بعدها بقايا المبيد بالثمار, وهي الفترة الفاصلة بين يوم استخدام المبيد ويوم قطف الثمار وتختلف من محصول لآخر, لذا ينبغي الاهتمام بتوعية الفلاح بأهميتها.. أما عن تركيز بقايا المبيدات بالجسم وإحداث التأثير الضار فيتوقف علي عاملين هما تركيز المبيد في الجزء المأكول من الثمرة وكمية الثمار التي يتناولها الإنسان في اليوم ومعدل تكرار تناوله لها, ومدي تجاوز ذلك للمعدلات العالمية المسموح بها, ويدق الدكتور سميح ناقوس الخطر بالنسبة لتأثير بعض المبيدات المذكورة علي الجهاز المناعي للإنسان, حيث يمكن حدوث هذا التأثير عند مستويات لا تزيد علي جزء من100 جزء من قيمة الجرعة المؤثرة للمبيد. ومن الممكن أن تشمل السمية بجانب تأثيرها علي الحمض النووي ـ وهي العملية المسببة للسرطان ـ التأثير علي الغدد والتسبب في اضطراب وظائفها, مما يؤدي لنقص أو زيادة هرمونات الذكورة والأنوثة وخروج كائنات غير محددة الجنس, وقد تأكد هذا التأثير بالفعل في بعض الكائنات البحرية كالأسماك والحيتان والزواحف.
أما عن طرق التخلص من آثار المبيدات في الغذاء, فينصح الدكتور عبدالقادر بتجنب شراء ثمار خضر أو فاكهة تظهر عليها بقايا بودرة أو رائحة غير طبيعية ثم غسلها جيدا بالماء الجاري وغمرها لدقائق في محلول حمضي أو قلوي, مع مراعاة التقشير الجيد, وتفضل خضر وفاكهة الحقول علي نظيرتها المنتجة بالصوب, ولمن يريد تقييم موقفه من المبيدات, يمكن إجراء تحليل إنزيم اسيتايل كولين استريز الذي تعمل زيادة المبيدات في الجسم علي خفض مستواه بالدم, وللوقوف علي حقيقة المنتجات الزراعية بمصر, هناك دراسة كبيرة أوشكت علي الانتهاء يقوم بها قسم السموم الآن لمقارنة مستويات التلوث بالسموم والمبيدات والمعادن الثقيلة بكل من ثمار الحقول المفتوحة والصوب والزراعات العضوية, ومقارنة معدلات السمية في لب كل هذه الثمار بالمسموح بها عالميا.